تشهد مصر فى الأيام الحالية حالة من الفحر مع افتتاح قناة السويس الجديدة في 6 اغسطس ، وهناك العديد من الأفكار السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التى تأسر عقول وأرواح الشعب المصرى، وعلى الرغم من أن بعض هذه الأفكار تختفى من الساحة سريعا إلا أن البعض الآخر يظل حديث الساعة وهو تحصيل رسوم عبور قناه السويس بالجنيه متصدرا المشهد مرارا وتكرارا، سنلقى نظرة فى الأسابيع القادمة على بعض من هذه الأفكار الحديثة التى تعتبر هراء، سنبدأ باقتراح يتردد على الساحة كثيرا ألا وهو لماذا لا تكون عملة السداد لرسوم العبور من قناة السويس هى الجنيه المصرى؟ وظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، بتحويل التعامل في قناة السويس إلى الجنيه المصري، الفكرة: العديد من مؤيدى هذه الفكرة يرون أن تحصيل رسوم العبور من قناة السويس بالجنيه المصرى سيخلق طلبا ضخما على الجنيه المصرى.






حيث إن كافة السفن التى تعبر قناة السويس ستدفع رسوم المرور بالجنيه المصرى، مما يدعم قيمة العملة المصرية الضعيفة فى الأسواق الدولية وبالتالى يصبح الجنيه المصرى أقوى، ويرى مؤيدو هذه الفكرة أنها خطوة جيدة وسيكون لها انعكاس إيجابى على الاقتصاد القومى ويقلل من تكلفة الدين المصرى.

الحقيقة: تحمل هذه النظرية خطأ جوهريا، حيث تصور أن العملة القوية أمر جيد إلا أن هذا حتى لن يحدث لأنه باختصار تحصيل رسوم العبور من قناة السويس بالجنيه المصرى لن يجعل الجنيه المصرى أقوى.

أولا: من الناحية الاقتصادية البحتة، زيادة الطلب العالمى على الجنيه المصرى لن يؤدى بالضرورة إلى زيادة فى قيمته، لأنه ببساطة هناك محددات أخرى كثيرة تؤثر على قيمة العملة مثل معدل النمو الاقتصادى ومعدل التضخم ومعدل الفائدة، كل هذه العوامل تؤثر على قيمة العملة، كما أن العملة المصرية لا تحتاج إلى جنيه قوى فى المقام الأول.

ثانيا: عندما ننظر إلى ميزان المدفوعات المصرى الذى يشير إلى كافة المعاملات المالية بين الدولة ودول العالم الأخرى، فإن مصر عادة ما تعانى عجزا فى ميزان المدفوعات، هذا يعنى أن الدولة تحتاج إلى عملة أجنبية للوفاء بالتزاماتها الواردة فى الميزانية، لذا إذا تم تحويل إيراد قناة السويس السنوى المقدر بــــ 5 مليارات دولار أمريكى إلى جنيه مصرى، فإن هذا سيخلق بدوره عجزا فى العملة الصعبة التى تحتاجها الحكومة لسد احتياجاتها من الواردات، هذا أمر صحيح، حيث إن السفن العابرة لقناة السويس ستضطر إلى الحصول على العملة من البنوك المحلية الأمر الذى سيؤدى ببساطة إلى إعادة توزيع العملة المحلية على القطاع الخاص بصورة رئيسية. ثالثا: يجب أن ندرك أنه على الرغم من أن إيراد قناة السويس قد يبدو هاما إلا أنه يمثل 3% من إجمالى الناتج المحلى، لذلك ليس من المحتمل أن يؤدى تحصيل الرسوم من السفن العابرة لقناة السويس بالعملة المحلية إلى تأثير جوهرى على قيمة الجنيه المصرى.

أخيرا، يجب أن ندرك أيضا بأن معظم الصفقات البحرية العالمية تتم بالدولار الأمريكى وعليه فإن الاشتراط بتحصيل رسوم العبور من قناة السويس بالجنيه المصرى سيكون طلبا مثير، علق رئيس الوزراء الحالى لمصر المهندس ابراهيم محلب على طلب تحصيل رسوم العبور من قناة السويس بالجنيه المصرى قائلا “إن هذا الطلب يحمل جانب عاطفى وليس اقتصادى”، كما اتفق معه خبراء آخرون معلقين بأن هذه الفكرة لا تزيد عن كونها “تحمس من أناس غير متخصصين”.

تصنف هذه الفكرة على أنها من ضمن الأفكار الأخرى العديدة التى تأمل إلى إحداث طفرة فى الاقتصاد بدون إجراء أى تغييرات هيكلية مناسبة أو نمو اقتصادى حقيقى, وللأسف لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية المصرية فى خطوة واحدة أو على الأقل ليست هذه الخطوة.

اسباب عدم تحصيل رسوم قناه السويس بالجنيه المصرى

1- تحويل التعاملات الدولية وتداولها بعملة بلد ما يتطلب موافقة 85% من أعضاء صندوق النقد الدولي الذي تمثل الولايات المتحدة وحدها 17 % من إجمالي أصواته.

2- مصر دولة غير منتجة، ولا يتجاوز حجم إنتاجها 0.3 من إجمالي الإنتاج العالمي، ومن ثم فإن عملتها النقدية غير قوية على المستوى الدولي، بعكس الولايات المتحدة التي تنفرد بـ 20 % من إجمالي الإنتاج العالمي، ومن ثم فإن عملتها النقدية ذات قيمة.

3- تحويل التعاملات للجنيه المصري قد يضر بقيمة الجنيه حتى لو تدافعت البنوك على شراء العملة المصرية لعبور القناة، لأن أي خلل في الاقتصاد قد يضرب قيمة الجنيه المصري وتنحدر قيمته لأدنى مستوياتها، ووفي ذلك الوقت ستسعى البنوك للتخلص منه، وحينها قد يصل سعر الدولار إلى ألفين أو وثلاثة آلاف جنيه مصري.

4- لن تحقق زيادة الطلب على الجنيه المصري ارتفاعًا في قيمته لأن سعر الصرف ثابت.

5- لن تستطيع مصر رفع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، إلا في حال تمكنها من الوصول بحصتها من الإنتاج العالمي إلى 10% على مدار الـ 10 سنوات القادمة، ولو تضاعفت حصة الإنتاج هذه خلال 10 سنوات تالية فسوف تتعادل قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.

6- ستدر تنمية المحور لمصر 100 مليار دولار على مدار 10 سنوات، حيث سيؤثر تحويل المحور إلى مركز لوجيستي وإنتاج لتصنيع السفن وإصلاحها، والصناعات الإلكترونية، في حصة مصر من الإنتاج العالمي.